سورة طه - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} أي عن ذكر الساعةِ ومراقبتِها، وقيل: عن تصديقها والأولُ هو الأليقُ بشأن موسى عليه الصلاة والسلام وإن كان النهيُ بطريق التهييجِ والإلهاب، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على قوله تعالى: {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} لما مر مراراً من الاهتمام بالمقدّم والتشويقِ إلى المؤخّر فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخّر تبقى النفسُ مستشرِفةً له فيتمكن عند ورودِه لها فضلُ تمكّنٍ، ولأن في المؤخر نوعَ طولٍ ربما يُخِلُّ تقديمُه بجزاله النظمِ الكريم، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهياً للكافر عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الساعة لكنه في الحقيقة نهيٌ له عليه الصلاة والسلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجهٍ وآكَدِه، فإن النهيَ عن أسباب الشيءِ ومباديه المؤديةِ إليه نهيٌ عنه بالطريق البرهاني وإبطالٌ للسببية من أصلها كما في قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} الخ، فإن صدَّ الكافر حيث كان سبباً لانصداده عليه الصلاة والسلام كان النهيُ عنه نهياً بأصله وموجِبه وإبطالاً له بالكلية، ويجوز أن يكون من باب النهي عن المسبَّب وإرادةِ النهي عن السبب على أن يراد نهيُه عليه الصلاة والسلام عن إظهار لينِ الجانبِ للكفرة، فإن ذلك سببٌ لصدّهم إياه عليه الصلاة والسلام كما في قوله: لا أُرَينّك هاهنا، فإن المراد به نهيُ المخاطب عن الحضور لديه الموجبِ لرؤيته {واتبع هَوَاهُ} أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية {فتردى} أي فتهلِكَ فإن الإغفالَ عنها وعن تحصيل ما ينجِّي عن أهوالها مستتبِعٌ للهلاك لا محالة، وهو في محل النصبِ على جواب النهي أو في محلّ الرفعِ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي فأنت تردى.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} شروعٌ في حكاية ما كُلف به عليه الصلاة والسلام من الأمور المتعلقةِ بالخلق إثرَ حكايةِ ما أُمر به من الشؤون الخاصة بنفسه، فما استفهاميةٌ في حيز الرفعِ بالابتداء وتلك خبرُه أو بالعكس وهو أدخلُ بحسب المعنى وأوفقُ بالجواب، وبيمينك متعلقٌ بمضمر وقع حالاً أي وما تلك قارّةً أو مأخوذةً بيمينك، والعاملُ معنى الإشارة كما في قوله عز وعلا: {وهذا بَعْلِى شَيْخًا} وقيل: تلك موصولةٌ أي ما التي هي بيمينك وأياً ما كان فالاستفهامُ إيقاظٌ وتنبيهٌ له عليه الصلاة والسلام على ما سيبدو له من التعاجيب، وتكريرُ النداء لزيادة التأنيسِ والتنبيه.


{قَالَ هِىَ عَصَاىَ} نسبها إلى نفسه تحقيقاً لوجه كونِها بيمينه وتمهيداً لما يعقُبه من الأفاعيل المنسوبةِ إليه عليه الصلاة والسلام، وقرئ: {عَصَيَّ} على لغة هذيل {أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا} أي أعتمد عليها عند الإعياءِ أو الوقوفِ على رأس القطيع {وَأَهُشُّ بِهَا} أي أخبِط بها الورقَ وأُسقطه {على غَنَمِى} وقرئ: {أهِشّ} بكسر الهاء وكلاهما من هشّ الخبزُ يهش إذا انكسر لهشاشته، وقرئ بالسين غيرِ المعجمة وهو زجرُ الغنم وتعديتُه بعلي لتضمين معنى الإنحاءِ والإقبال، أي أزجُرها مُنْحِياً ومُقبلاً عليها {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أخرى} أي حاجاتٌ أخرى من هذا الباب مثلُ ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلّق بها أدواتِه من القوس والكِنانة والحِلاب ونحوِها، وإذا كان في البرية ركَزها وعرض الزنذين على شعبتيها وألقى عليها الكِساء واستظل به، وإذا قصُر الرِّشاءُ وصله بها، وإذا تعرضت لغنمه السباعُ قاتل بها، قيل: ومن جملة المآربِ أنها كانت ذاتَ شعبتين ومِحْجَن فإذا طال الغصنُ حناه بالمحجن وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين، وكأنه عليه الصلاة والسلام فهم أن المقصودَ من السؤال بيانٌ حقيقتها وتفصيلُ منافعِها بطريق الاستقصاءِ حتى إذا ظهرت على خلاف تلك الحقيقةِ وبدت منها خواصُّ بديعةٌ علم أنها آياتٌ باهرة ومعجزاتٌ قاهرة أحدثها الله تعالى، وليست من الخواصّ المترتبةِ عليها، فذكرُ حقيقتَها ومنافعَها على التفصيل والإجمال على معنى أنها من جنس العِصِيّ مستتبِعةٌ لمنافعِ بناتِ جنسِها ليطابقَ جوابُه الغرضَ الذي فهمه من سؤال العليم الخبير.
{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ينساق إليه الذهنُ، كأنه قيل: فماذا قال عز وجل؟ فقيل: قال: {أَلْقِهَا ياموسى} لترى من شأنها ما لم يخطُر على بالك من الأمور، وتكرارُ النداءِ لتأكيد التنبيه.
{فألقاها} على الأرض {فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} رُوي أنه عليه الصلاة والسلام حين ألقاها انقلبت حيةً صفراءَ في غِلَظ العصا ثم انتفخت وعظُمت، فلذلك شُبّهت بالجانّ تارةً وسميت ثُعباناً أخرى وعبّر عنها هاهنا بالاسم العامّ للحالين، وقيل: قد انقلبت من أول الأمر ثعباناً وهو الأليقُ بالمقام كما يفصح عنه قوله عز وجل: {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} وإنما شبهت بالجان في الجلادة وسُرعة الحركةِ لا في صِغَر الجُثة، وقوله تعالى: {تسعى} إما صفةٌ لحيّةٌ أو خبرٌ ثان عند من يجوز كونَه جملة.
{قَالَ} استئناف كما سبق {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} عن ابن عباس رضي الله عنهما: انقلبت ثعباناً ذكَراً يبتلع كلَّ شيء من الصخر والشجَر، فلما رآه كذلك خاف ونفَر، وما يملك البشرُ عند مشاهدةِ الأهوال والمخاوفِ من الفزع والنّفار، وفي عطف النهي على الأمر إشعارٌ بأن عدمَ المنهيّ عنه مقصودٌ لذاته لا لتحقيق المأموريةِ فقط وقوله تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} مع كونه استئنافاً مسوقاً لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتَها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها، وعدمِ الخوفِ منها عِدَةٌ كريمةٌ بإظهار معجزةٍ أخرى على يده عليه الصلاة والسلام، وإيذانٌ بكونها مسخَّرةً له عليه الصلاة والسلام ليكون على طُمَأْنينة من أمره ولا يعتريه شائبةُ تَزلزُلٍ عند مُحاجّة فرعون، أي سنعيدها بعد الأخذ إلى حالتها الأولى التي هي الهيئةُ العَصَوية.
قيل: بلغ عليه الصلاة والسلام عند ذلك من الثقة وعدمِ الخوف إلى حيث كان يُدخل يدَه في فمها ويأخذ بلَحْيَيها. والسِّيرةُ فِعْلةٌ من السير تجوز بها للطريقة والهيئة، وانتصابُها على نزع الجارِّ أي إلى سيرتها، أو على أنّ أعاد منقولٌ من عاده بمعنى عاد إليه، أو على الظرفية أي سنعيدها في طريقها، أو على تقدير فعلها وإيقاعِها حالاً من المفعول أي سنعيدها عصاً كما كانت من قبل تسير سيرتَها الأولى، أي سائرةً سيرتَها الأولى فتنتفعَ بها كما كنت تنتفع من قبل.


{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} أُمر عليه الصلاة والسلام بذلك بعدما أخذ الحيةَ وانقلبت عصاً كما كانت أي أدخلها تحت عضُدِك فإن جناحَيْ الإنسانِ جنباه كما أن جناحيَ العسكر ناحيتاه مستعارٌ من جناحي الطائرِ، وقد سُمّيا جناحين لأنه يجنَحُهما أي يُميلهما عند الطيران وقوله تعالى: {تُخْرِجُ} جوابُ الأمر وقوله تعالى: {بَيْضَاء} حالٌ من الضمير فيه وقوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوء} متعلقٌ بمحذوف هو حالٌ من الضمير في بيضاء أي كائنةً من غير عيب وقبح، كنّي به عن البرص كما كنّي بالسوأة عن العورة لما أن الطِباعَ تعافه وتنفِر منه، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان آدمَ فأخرج يده من مُدرّعته بيضاءَ لها شُعاعٌ كشعاع الشمس تُغشّي البصرَ {ءَايَةً أخرى} أي معجزةً أخرى غيرَ العصا وانتصابُها على الحالية إما من الضمير في تخرجْ على أنها بدلٌ من الحال الأولى، وإما من الضمير في بيضاءَ، وقيل: من الضمير في الجار والمجرور، وقيل: هي منصوبةٌ بفعل مضمرٍ نحوُ خذْ أو دونك وقوله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} متعلقٌ بمضمر ينساق إليه النظمُ الكريم، كأنه قيل: فعلنا ما فعلنا من الأمر والإظهارِ لنُريَك بذلك بعضَ آياتنا الكبرى، على أن الكبرى صفةٌ لآياتنا أو نريَك بذلك من آياتنا ما هي كُبرى على أن الكبرى مفعولٌ ثانٍ لنُريَك ومن آياتنا متعلق بمحذوف هو حال من ذلك المفعولِ، وأياً ما كان فالآيةُ الكبرى عبارةٌ عن العصا واليدِ جميعاً، وأما تعلقُه بما دل عليه آيةٌ أي دلّلنا بها لنريك الخ، أو بقوله تعالى: {واضمم} أو بقوله: {تُخْرِجُ} أو بما قُدّر من نحو خذ ودونك كما قال بكلٍ من ذلك قائل، فيؤدّي إلى عَراء آيةِ العصا عن وصف الكِبَر فتدبر.
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ} تخلّصٌ إلى ما هو المقصودُ من تمهيد المقدمات السالفةِ فُصل عما قبله من الأوامر إيذاناً بأصالته، أي اذهبْ إليه بما رأيتَه من الآيات الكبرى وادْعُه إلى عبادتي وحذّره نَقِمتي وقوله تعالى {إِنَّهُ طغى} تعليلٌ للأمر أو لوجوب المأمورِ به أي جاوز الحدَّ في التكبر والعتوّ والتجبر حتى تجاسر على العظيمة التي هي دعوى الربوبية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8